ما زالت أتذكر اليوم الذي حضرت فيه محاضرة للدكتور صفوت حجازي في إحدي مساجد السويس ، يومها كان يتحدث في موضوع غاية في الأهمية ألا و هو الرجولة ، و رغم أن هذا الموضوع قد مر عليهم ما يزيد عن خمس أعوام إلا أنني ما زالت أتذكره كأنه حدث بالأمس ...
أكثر ما أتذكره قصه نشأة صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - حين دخل أبوه البيت فقالت له زوجته أن ابنه - أي صلاح الدين - كان يلعب مع البنات في الحي ، فرفعه إليه - وكان طويل القامة - ثم أسقطه من بين يديه علي التراب و قال له أأوجعتك السقطة فقال له الابن :"ما كان لرجل يريد أن يفتح بيت المقدس أن توجعه تلك السقطة" فخرج صلاح الدين و حرر المسجد الأقصي ... القصة
قصة أخري حدثت منذ حوالي الشهرين ، عندما كنت أصلي العصر في إحدي المساجد و كان به الكثير من الأطفال و أثناء الصلاة تشاجر طفلان حتي قام أحدهما - والذي لم يتجاوز الخامسة من عمره - بسب الدين لزميله
بين تربية و تربية ضاعت أمم
لنكن صرحاء ... قليلون من الأباء و الأمهات من يعرفون معني التربية و كيف يقيمون
أسرة و يكونون مسؤولين عن تربية أبنائهم و تعليمهم و رعايتهم وما يحدث أن دورهم
يقتصر علي دور الممول ...
لنبدأ الحكاية من اولها
اتنين اتجوزوا ، يُولد الطفل الأول و أهم ما يأخذه الأب و الأم في الاعتبار أن صحة الولد تكون كويسة، أن يأكل أحسن أكل و يشرب أحسن شرب و كل طلباته مجابة ، لعب ماشي ، فسح ماشي ، لا اعتراض علي أي شئ مما سبق فمن واجبات الوالدين توفير حياة كريمة لأطفالهما ...
عند الرابعة يدخل الطفل الحضانة ،عند السادسة يدخل المدرسة الأبتدائية و أهم ما يريده الأب و الأم من الطفل أن يذاكر كويس و يبقي شاطر في المدرسة و يطلع الأول .
الأب : يا حبيبي أنا موفر لك كل حاجة أنت عايزها علشان تعرف تذاكر و تطلع الأول
الأم : خذ يا حبيبي السندوتشات دي علشان أنت بتتعب ، و ذاكر كويس علشان تطلع الأول ...
الأب : لو طلعت الأول السنه دي هجيب لك عجلة
و يستمر الحال يوم بعد يوم وعام بعد عام علي أن يعتاد الطفل علي هذا الكلمات
أنت أهم حاجة في حياتك دلوقتي المذاكرة
لو حد جه يسلم عليه أهم سؤال يسأله : أخبارك أيه و أخبار المذاكرة أيه ؟ عملت أيه في الامتحانات ؟ شد حيلك يا بطل عايزين مجموع كبير ...
و تتكرر هذه الجملة كثيراً في حياته ... ناجح و منقول للصف الذي يليه
و بالاضافة إلي هدية كل عام و ما حدث في الأبتدائية يحدث في الأعدادية و يدخل الشاب الثانوية العامة
الاب : يللا بقي اتجدعن علشان تدخل كلية من كليات القمة ...
و الطفل أصبح شاب وكما كان يأخذ دروس خصوصية في الحضانة و الأبتدائي و الأعدادي بقي يأخذ دروس في كل المواد في الثانوي علشان يطلع من الأوائل و مجموعه عالي يدخله كلية القمة و يصرف الأب و الأم اللي وراهم و اللي قدامهم و اللي فوقهم و اللي تحتهم
و هكذا تصير الأمور حتي يدخل الكلية التي أرادها له أبواه ...
يتعثر كثيراً في الكلية فيأخذ الكورسات في الكلية بأسعار مُبالغ فيها ما يجعل أبوه علي الحددية !
و هكذا يتخرج الشاب من الكلية لا يعلم من فنون الحياة شيئاً ، ولأنه بقي علي وش جواز فلازم الواد نجوزه بقي ...
الأم : أيه رأيك في بنت أستاذ محمود صاحب بابا في الشغل، بابا كلمه و هنروح نخطبها يوم الخميس الجي !
يتزوج الشاب هذه الفتاة و هو لم يتربي يوماً علي تحمل مسؤولية نفسه ،فكيف سيتحمل مسؤولية أسرة !!! طول عمره كان ابن أبوة و أمه ...
هذه القصة تتكرر الاف الاف المرات
لا يعرف هذا الشاب أو هذه الفتاة من الحياة شيئاً ، جهاز الكتروني متحرك ، روبوت ، لم يكتسب من الحياة مهارة أو يكوَن فيها مبادئ يسير عليها في الحياة، لم يعتد ألا أن يقال له كُن كذا فيكون كذا ...
لم يعتد علي الاختيار و لم يعرف أن الحياة مجموعة من الاختيارات يوجه الأب والأم فيها أولادهم ولكن لا يُجبروهم علي شئ و يعلموهم أنهم إذا اختياروا دفعوا ضريبة اختيارهم غالية و هي تحمل المسؤولية كاملة عن هذا الاختيار ...
ومن هذا تجده متخبط ، جوازه يفشل و الأطفال تُشرد و الحياة تزداد معه كل يوم سؤاً
الأباء و الأمهات اهتموا بصحة أبنائهم الجسدية و كانوا بيخافوا علي من الهوا الطاير، أنما صحته النفسية ، أبداًَ ، مش مشكلة ، ما حدش قعد يتكلم معاه ، يشوفه عايز أيه ، أيه اللي مفروض يعمله في الفترة اللي جاية ...
ما حدش قاله أن في مراحل عمرية هيمر بيها لكل مرحلة منهم شكل و أسلوب يعيش به، تفرق طفولته عن شبابه و أنه يوماً ما سيكون رجلاً مسوؤلاً عن نفسه تماماً وعن أسرة وبيت و شغل و حاجات تانية كتير ..
لم تخبر الأم ابنتها أن تغيرات فسيولوجية ستحدث لها مما سيجعلها - شائت أم أبت -مثار اهتمام من الاخريين فكيف تحافظ علي نفسها من ذئاب لا يرقبون في بنتاً إلاً ولا ذمة ...أخبرتها يوماً ما عن الحجاب فوضعت قطعة قماش علي رأسها و لكنها لم تفهما معني الحجاب الحقيقي ، معني الأحتشام ...
لم يُعلم الأب ابنه معني الرجولة و أنها مش مجرد صوت عالي و سجارتيين و بنات من هنا و هناك ، قال له أنه كبرت و بقيت راجل بس لم يقل له يعني ايه راجل؟! ...
لم يعلم هؤلاء الأباء والأمهات أن أولادهم أمانه وترييته تربيه سليمة أهم مليون مرة من تعليمه التعليم المعتاد و أن التعليم وسيلة و ليس غاية ...
هذا لا يقلل طبعاً من التفوق الدراسي و التعليم المنهجي ...ده ما فيش جدال عليه أصلاً
و لكن الأولي أن يربوه أن التعليم ليس في المدراس و الكليات و لكن مدرسة الحياة أكبر و أعمق و أكثر تأثيراً ...
أن المبادئ التي يكونها الفرد في صغره يعيش بها حتي يموت و إلا مات بين الأحياء ...
أن يربوه علي الصدق ، لا لأن الكذاب بيروح النار و لكن لأن الصدق منجاة و الصادق مع النفس صادق مع الغير
أن يربوه علي الاعتماد علي الذات وعزة النفس و طلب الحق و نصرة الضعيف و حب الخير و بث الأمل في قلوب الناس
أن يربوه علي تحمل مسؤوليته و معرفة الحق من الباطل في زمان اختلط فيه الحابل بالنابل ...
إذا حدث هذا ، كانوا هؤلاء الأباء و الأمهات قد أدوا ما عليهم ..
أما إذا اقتصر دورهم علي الاكل و الشرب و الدراسة فلا تسأل بعد ذلك
هو الواد بيشرب سجائر و مخدرات ليه و بتفرج علي مواقع غير لائقة ليه ؟؟
و هي البت بتكلم مين علي الموبايل لحد الفجر و لا هي بتتأخر ليه بره البيت ؟؟
لا تلومن وقتها ألا نفسك
و ما ترجعش تقول: بقي دي جزاتي إني ربيتكوا و علمتكوا وفي الاخر اتشتم و اترمي و و ... و ... و ...
أنت أصلاً ما ربيتش كويس و معرفتش ولادك عايزين ايه ...
الاكل و الشرب ... الحيوانات و الطيور بتأكل و تشرب
التعليم ... بايظ أصلاً ...
يبقي اللي بيفرق واحد عن واحد هو تربيته كانت أزاي و مبادئه أيه في الحياة
إن سألتني أنا شخصياً عن حلمي الأكبر في الحياة سأقول لك أسرتي الصغيرة ، إن نعطي - أنا وزوجتي - أولادنا ما يستحقونه من ... تربية و تعليم !
انتهي