لم ينل الدكتور زويل جائزة نوبل لأنه اكتشف الفمتوثانية، بل لأنه استخدم شعاع الليزر للحصول على صور تمكننا من متابعة التفاعلات الكيميائية بين الذرات حال حدوثها، وهى تفاعلات متناهية السرعة كان يستحيل تصويرها باستخدام تقنيات الكاميرات التقليدية مهما بلغت سرعتها، لأن زمن فتح وغلق العدسات بالطريقة الميكانيكية التى تعمل بها أرقى أنواع الكاميرات وأكثرها تطورا لا يمكن أن يقل عن خُمس ثانية، بينما يمكن لشعاع الليزر أن يقوم بذلك الدور بسرعته الفائقة ويذهب لالتقاط الصورة ويعود بها فى زمن قصير بشكل لا يصدق. بعد اختراع زويل لتلك الكاميرا الليزرية صار لزاما على العلماء اعتماد وحدة زمنية جديدة متناهية الصغر لقياس الوقت البالغ القصر الذى تستغرقه رحلة شعاع الليزر، وهذه هى قصة ولادة الفمتوثانية. إنها وحدة قياس لا قيمة لها فى حد ذاتها، لكنها صارت، ويا للعجب، كل ما وصل إلى إدراكنا من اكتشاف زويل! قرأنا مئات المقالات وشاهدنا عشرات البرامج التى تخبرنا أن زويل مكتشف الفمتوثانية! بل تجاسر البعض وقال إنه اخترعها! ألسنا بالفعل فى عصر الطراوة؟ اكتب من فضلك اسم زويل على محرك البحث «جوجل»، لكى تصدمك عبارات على شاكلة: زويل أول عربى يكتشف الفمتوثانية! حصول زويل على نوبل لاختراعه للفمتوثانية! لطالما احترق دمى وأنا أشرح للآخرين أنه ليست هناك أى قيمة على الإطلاق فى ابتداعك لأى وحدة قياس مهما صغرت أو كبرت، بإمكانى الآن أن أبتدع وحدة قياس زمنية أسميها «عمروثانية» بحيث تكون الفمتوثانية الواحدة أكبر منها بمليون مرة! ما المشكلة؟ المشكلة يا صديقى تكمن فى استخدام تلك الوحدة. لا قيمة لابتداعك لوحدة متناهية الصغر لقياس الأوزان تطلق عليها النانوجرام إذا لم تخترع ميزانا يستخدمها فى القياس بالفعل. الموازين الحالية على حد علمى لا تتعامل إلا بالمليجرام، وعليه فليست هناك قيمة لابتداع وحدة جديدة للوزن لن يستخدمها أحد. ألم أقل لك إننا فى الطراوة؟ حطم العقل المصرى أغلال التخلف منذ عصر نهضة محمد على وصولا إلى نهاية ستينيات القرن العشرين، لتبدأ بعدها نكسته بانهيار الحلم القومى، واستمرت الردة الحضارية حتى وصلت إلى ذروتها بقيادة المخلوع ونماذج عصره، التى كان يتم اختيارها بدقة تؤكد رداءة الواقع، باستثناء ندرة عميت عنها أبصار رجاله. لا عجب ولا غرابة إذن فى أن ثقافة الفقر فى عصره، التعس، شملت الطعام، والصحة، والتعليم، والذوق، والفن ليطغى اختلالها الواضح على كل المقاييس، حتى مقاييس الجمال ذاتها عادت بنا إلى عصور الجوارى الفارعات اللواتى يكتنزن الشحم واللحم، ويشف بياضهن عن حمرة دماء تشى بصحة الخراتيت! قارن بين غادة عبد الرازق وسعاد حسنى ليتضح لك الفرق فى الذوق بين عشاق هذه وتلك. تأمل الفرق بين جريدة «الأهرام» فى عصورها الذهبية أيام هيكل وبهاء الدين، وبين ترديها أيام نافع وسرايا، الذى كتب مقالا له العجب قبل توليه رئاسة تحريرها بأسابيع، عن جريمة مقتل المطربة ذكرى. قال فيه لا فض فوه واصفا مسرح الجريمة، بأنه شقة بالغة الاتساع مساحتها ألف متر مربع، ثم استطرد ليستعرض معلوماته ويشرح للجهلاء من أمثالنا قائلا: أى أن مساحتها كيلومتر مربع! أى والله العظيم هذا ما قاله بالنص! كان واضحا أن عبقريته الفذة وقدراته الهندسية المذهلة تفتقت عن حسبة عجيبة وهى: ما دام أن ألف متر تساوى كيلومتر، إذن فألف متر مربع تساوى كيلومتر مربع! وهو قول نصفه الأول صحيح، لأنك استخدمت المتر كوحدة لقياس الطول، بينما نصفه الثانى خاطئ بشكل مخيف، لأن الألف متر المربع فى الحقيقة هو مربع طول ضلعه يقل عن ثلاثة وثلاثين مترا فقط، بينما الكيلومتر المربع هو مساحة شاسعة عبارة عن مربع طول ضلعه ألف متر أى كيلومتر كاملا! قل لى بربك، أهناك تلميذ وصل للمرحلة الثانوية وتلقى قدرا معقولا من التعليم يقع فى غلطة تافهة كتلك؟ أهناك إنسان يمكن أن يصدق بسهولة هكذا أن هناك عائلة تسكن فى شقة بحى الزمالك مساحتها تعادل مربع طول ضلعه كيلومتر؟! على من لا يصدقنى الرجوع إلى أرشيف جريدة «الأهرام» الرقمية على شبكة المعلومات. هذا هو حال كبير كتبة ذلك النظام، فما بالك بأنصافهم وأرباعهم؟ تريد المزيد؟ حسنا، أقسم بالله أننى قابلت زميلا منذ عشرة أعوام فى نقابة المهندسين، كان سعيدا لأنه حصل للتو على لقب استشارى فى مجال تخصصه، سألته عن الدرجة العلمية التى أهلته لذلك، قال بثقة: حصلت على دكتوراه عن الإعجاز الليزرى فى القرآن الكريم! قلت له: كيف؟ رد بغرور صادم: ألم يخبرنا الله عز وجل عن انتقال عرش بلقيس من اليمن إلى الشام فى طرفة عين؟ ألم تسمع عن انطلاق البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بسرعة الضوء؟ سألته عما أضافته رسالته لتطبيقات علوم الليزر؟ فامتعض وتركنى قائلا: ألا تعلم أن دراسة القرآن تغنى عن دراسة العلوم الطبيعية؟ يومها لم أقدم أوراقى لتلك اللجنة.. ملأنى يقين بأن الجهابذة الذين وافقوا على منحه لقب الاستشارى لا يستحقون شرف تقييم مؤهلات المهندسين وخبراتهم، فما بالك بمن منحوه درجة الدكتوراه فى الهندسة؟! نحن فى الطراوة أيها السادة، بل إننا نقع على تدريج تقاس وحداته بالميجا طراوة! صدقونى لن ينتشلنا من هذا القاع البالغ الانحطاط سوى الاهتمام بالتعليم، لأن مستوى خريجينا انخفض لدرجة لا تقاس إلا بوحدات النانو شطارة المتناهية الضآلة!
هناك تعليق واحد:
يا إبن الإيييه ! (تعبير يدل على الإعجاب الشديد).
أنحني احتراماً للمقالة دي بصراحة !
إرسال تعليق